عين على فلسطين

يوميات الغزازوة في الحرب: الليل والزنانة وأشياء أخرى

الليل في غزة بيبدأ بدري يعني من قبل المغرب ما في سيارات في الشوارع ولا في ناس بتمشي، الكل بيجري جراي ليصل بيته أو يخلّص مشواره، حتى صلاة المغرب صارت تقام مباشرة بعد الأدان ومن بعد رمضان الإمام بيجمع المغرب والعشا جمع تقديم، أصلا ما في كهربا، الضلمة بتشرفنا بدري..

أول الليل زهق مفش حاجة مهمة تعملها، غير إنك تنكد على خواتك الصغار وتقولهم روحوا ناموا، مع إنه فش مدارس بكرا بس خلاص بتطلع في مخك أي حاجة، المهم يروحوا يناموا، اللي بيقهرك إنك نفسك تستفيد من الوقت بشي وتعمل حاجة مفيدة ع الفاضي، محبوس بين أربع حيطان ما في كهربا تشغل مروحة أو نت، ولا في مية تتحمم في عز الصيف..

قعدة العِشا لابد منها مع العيلة اللي كلهم حولوا المهنة لمحللين سياسيين وجيو استراتيجيين، وقالت الجزيرة وشفت ع الأقصى وسمعت ع الإذاعة وقريت التحليل، وهاتك يا لوك لوك لحد ما يقلب طوشة بين أنصار 3السيسي ومحبي #قطر، بين مشجعي #عباس ومساندي #المقاومة ومفش حدا فيهم بيحط واطي للتاني.. ما بيفرّق جمعهم إلا صوت الإف 16 وهي تقصف مكان قريب، كلهم بيجروا ع الشباك يشوفوا وين الضربة، وبعدها كل واحد ع بيته..

تبدأ الزنانة تمارس مهمتها الليلية، وهاتك يا زن.. حتى تكمل، الحواس كلها لازم نعمل لها فحص بعد الحرب، آه والله، من كتر ما قطعت الكهربا صار معنا عشا ليلي، من كتر ما زنت الزنانة صابنا طرش مبكر، من كتر ما شمينا الغازات بطلنا نشم، من كتر القصف اللي وقّع قلوبنا صار بدنا الصين تصنع لنا جهاز يعمل قطع الخوفة لكل مواطن!

زي الصدق بدك تعمل حالك مثقف وتفتح كتاب تقرأه على ضو الشمعة عشان تصور حالك صورة تنزلها على #فيسبوك تحكي فيها: “رغم الحرب نقرأ”، ما بتلاقي شمع في البيت، والشاحن خلّص، أصلاً الكهربا قاطعة من 36 ساعة ومش باين لها جية..

ع الساعة واحدة إلا ربع تسمع “هيييه” بتعرف إنه الكهربا أجت في منطقة قريبة وفي طريقها لبيتك، بس هي قصة فرق توقيت، على طول بتشبك كل الأسلاك وتستنى، وتستنى.. تسمع “هيييه” تانية أكبر في عمارة الجيران، ولسه ما أجت الكهربا، وتسمع دفاع المية عند عمك أبو عدنان اشتغل، وأولاده ماسكين الجرادل بينقلوا المية من برميل لبرميل، صوت الغسالات اشتغلت، وأخبار التلفزيونات والإذاعات، والناس كلها دبت فيها الحياة، وين كانوا هادول قبل شوية؟ ما كان إلهم وجود أصلا على كوكب الأرض، من وين طلعوا؟

يا سادة.. في غزة تبدأ الحياة ليلا الساعة واحدة، الحياة أصلاة تبدأ مع الكهربا.

بس شو المشكلة مش راضية تيجي الكهربا عنا؟ بعد ساعة تكتشف إنه الأمانات كانت نازلة، بمجرد ما ترفعها تقطع الكهربا لأنه يادوب حصتنا ساعة ونص، يمكن يرجعوا يجيبوها تاني بعد شوية، اه والله مرات بتيجي الكهربا بالتقسيط، ساعة أول الليل وساعة آخره، المهم لما تقطع بترجع الدنيا في سكون عجيب، والغريب مع قطعت الكهربا بتحس الدنيا حر!

الساعة تنتين ونص ما بتسمع إلا صوت الكلاب وطبعا الزنانة، وشوية قصف في أماكن بعيدة، كالعادة أهل غزة بيناموا والشبابيك كلها مفتوحة، خوف تنكسر مع صوت القصف، ما في مجال تمضي ليلة بدون قصف من عندهم وصواريخ ترد من مكان ما، وطبعا صوت صراخ الأولاد مع كل قصف وإنت تحاول تقنعهم إنها ألعاب نارية بمناسبة العيد بدون فايدة.. الصغار كلهم صاروا يعملوها على حالهم من كتر ما سمعوا وشافوا في هادي الحرب..

الساعة تلاتة تبدأ الديكة تصيح، وتحس إن الليل بدا يودع بس الزنانة بنت المجرمة مش ممكن تودع سمانا، تلاقي في حالك شوية إيمانيات زادت في الجو المكهرب وتقوم تصلي ركعتين لله، بتلاقيش مية تتوضا.. والشيطان ابن الصرمة بيقعد يوسوس لك ويلاعب عينيك عشان تنام وكل همه تضيع عليك صلاة الفجر..

الساعة أربعة أدان الفجر الأول وهنا يبدأ المجرمين اليهود يصيدوا الأهداف، كتير من شهداء هادي الحرب كانوا في هادا الوقت، بيوت كاملة هدمت على روس أصحابها وقت السحور، في رمضان اغتالوا كتير من الشباب في الشوارع وهما رايحين لصلاة الفجر ، بس بالرغم من هيك بنروح نصلي الفجر في المسجد وهناك نتوضا ونعبي مية للشرب!

بعد صلاة الفجر بساعة هو الوقت الوحيد اللي فيه تقدر تنام، الزنانة بتنخمد والدنيا هدوء والجو مشجع للنوم، أخيراً بتحس حالك خارج بنك الأهداف لهادي الليلة ع الأقل، الحمد لله مرت بسلام، ويادوب بدك تحط راسك ع المخدة بتسمع “هييه” كبيرة، من وين صحيوا هادول الناس؟ معقول أجت الكهربا تاني؟ أكيد حيكملوا الساعة التانية.. لا شكلي بحلم، بس سامع صوت دفاعات المية والتلفزيون والراديو، عيني بيسلموا على بعض.. لا أجت الكهربا، ما أجت هادي أضغاث أحلام.. أجت.. ما أجتش

“يامه اصحى الساعة صارت عشرة ونص.. الكهربا إلها من الستة.. الحق اعمل لك حاجة قبل ما تقطع”

!!

يشعر بالقهر

خالد صافي

خالد صافي مختص في التسويق الرقمي ومدرب خبير في الإعلام الاجتماعي، حاصل على لقب سفير الشباب الفخري من وزير الشباب والرياضة التركية، حاز على جائزة أفضل مدونة عربية لعام 2012 من دويتشه فيله الألمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by WP Anti Spam
زر الذهاب إلى الأعلى