سياسة

رابعة العدوية: 45 ليلة غيرت العالم!

RabaaSquare

خمسة وأربعون ليلة غيرت معالم هذا المكان، وأذهان الملايين حول العالم، ميدان رابعة العدوية في مصر أجبر نصف سكان الكرة الأرضية تداول أخباره يومياً، وقسمهم فسطاطين، اكتسى قداسة من الأرواح الطاهرة التي ارتقت فيه شهيدة، وازداد طهراً من عبق الأجساد التقية التي سقطت عليه مظلومة..

وكما أن الناس لهم من أسمائهم نصيب، فقد قبس – وبنهم – من اسمه النصيب الأوفر، وعلّم روّاده طرائق الحب الإلهي مثلما هامت العابدة الزاهدة رابعة العدوية في ربها حباً، وما همّها لو كان العباد كلهم غضاب، هم اعتزلوا الناس مثلها وهاموا في دعوته عشقاً حتى قضوا إليه شهداء فرحين بما أتاهم الله من فضله..

كيف لا؟ وقد قاموا الليل كله ونصف وثلثه ومعهم طائفة من المؤمنين، ختموا القرآن الكريم مرات ضوئية، وصاموا نهار رمضان وتمرغوا في شمسه الغاضبة، تركوا زخرف الدنيا وتجردوا لله وحده، شحنوا أنفسهم لنسخة جديدة من رمضان، الذي جاءهم هذا العام بإصدار جهادي، فما بخلوا بأوقاتهم ولا أنفاسهم ولا أصواتهم ولا أجسادهم، سخّروها كلها لدعوة الإسلام في سبيل الله حتى أتاهم اليقين على مبادئهم ثابتين، في خيارهم واثقين..

ورغم أنه ميدان، إلا أنهم أقاموا فيه نموذجاً مصغراً لدولة الإسلام، بإخلاصهم والإيثار ونشرهم لمعانيه السمحة، فكان كقرية يونس التي آمنت فنفعها إيمانها، كالمدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون، بل الفردوس المنشود لأرواح المؤمنين، فلا عجب لمَ هرول إليه الناس ظامئين، ينشدون سر الحياة ويتعلمون في مدرسة الإخوان معنى الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.

لله دركم أبناء الكنانة جئتم مسجد رابعة على قدرٍ، في أيام تتضاعف فيها الأجور وتزدهي بها الحسنات، فالتقى طهر المكان مع نفحات الزمان، وثبات جنانكم مع رضا الرحمن، فاصطفى منكم الشهداء الذين لقوا ربهم فرحين بما آتاهم من فضله، فرحين بصيامهم وقيامهم وصبرهم وصمودهم..

لله دركم.. من غيركم شهد العالم على صيامهم في الميادين، وقيامهم لا العشر الأواخر بل ليالي رمضان كلها؟ نُشهد اللهَ أننا رأيناكم على الشاشات في بث مباشر، دعاءكم وقنوتكم وصلاتكم الفجر جماعة، وكلكم يسارع لإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين يوماً وزيادة، نشهد لكم علّ الله يكتب لكم بها براءتان، براءة من النفاق وبراءة من النار..

للصائم فرحتان، من غيركم فرح بفطره وعند لقاء ربه؟

من غيركم فرحوا بقضاء رمضان صامدين مرابطين، فرحوا بالصيام، بالقيام، بالدعاء، بتلاوة القرآن، بالعيد، ثم بعد ذلك زُفّوا للجنان راضين مطمئنين؟

من غيركم أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ونهوا عن المنكر عندما قدر الله لهم التمكين؟

الآن نعلم أن الله يدافع عنكم، لأنه لا يحب كل خائن للعهود..
الآن نعلم أنكم ظُلمتم ونثق أن الله قادر على نصركم..
الآن نعلم أنكم أُخرجتم من دياركم بغير حق إلا أنكم قلتم:
الله ربنا والإسلام ديننا ومحمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا والقرآن دستورنا..
رأينا بعدما فضوا جمعكم كيف هُدمت صوامعُ ومساجدُ يذكر فيها اسم الله كثيراً
شهدنا حقدهم على كل شبر في الميدان وتحرقهم شوقاً لحرقه حسداً من عند أنفسهم!

الآن أدركنا أن 45 ليلة في ميدان رابعة كانت نصر لله وإعلاء لشأن لدينه..
فضحٌ للخائنين والمتأسلمين، ورسمٌ لطريق جديد نحو نهضة الأمة ورفعتها
ونقطة تحول في تاريخها..

(إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور * أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) [الحج 38-41]

خالد صافي

خالد صافي مختص في التسويق الرقمي ومدرب خبير في الإعلام الاجتماعي، حاصل على لقب سفير الشباب الفخري من وزير الشباب والرياضة التركية، حاز على جائزة أفضل مدونة عربية لعام 2012 من دويتشه فيله الألمانية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by WP Anti Spam
شاهد أيضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى